تداعيات صراع الشرق الأوسط- نظرة استراتيجية على إسرائيل والحلول الممكنة
المؤلف: عبدالرحمن الطريري09.04.2025

بعد مضي قرابة عامين على اندلاع النزاع في منطقة الشرق الأوسط، والذي بدأ بهجوم مباغت من حركة حماس في السابع من أكتوبر، وتفاقم وامتد ليشمل أراضي لبنان واليمن وصولاً إلى حدود إيران، فضلاً عن الضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت منشآتها الحيوية، بات من الضروري التمعن في تداعياته الاستراتيجية.
إن الخوض في التفاصيل اليومية المتلاحقة للأحداث، وما يصاحبها من تحليلات مطولة عبر شاشات التلفزة، قد أغرق المشهد بسيل من الآراء، بعضها دقيق ومستند إلى الواقع، والبعض الآخر ضرب من الخيال الجامح أو مجرد أمانٍ شخصية لطرف على حساب آخر. لذا، فإن التحليل السياسي المتعمق يستوجب علينا التراجع خطوة إلى الوراء، وإلقاء نظرة شاملة على الآثار الاستراتيجية بعيدة المدى لهذا الصراع المتفاقم.
يمكننا أن نتأمل في التداعيات المحتملة على دولة إسرائيل على ثلاثة أصعدة رئيسية، مع التركيز بشكل خاص على المستويين المتوسط والبعيد الأثر. أولاً، وبالنظر إلى صورة ومصداقية إسرائيل في الولايات المتحدة والغرب عموماً، وهو مستوى ينطوي على ثلاثة فروع أساسية: السمعة في وسائل الإعلام، وفي الأوساط الأكاديمية، وفي الرأي العام ككل. نجد أن وسائل الإعلام الغربية أبدت تعاطفاً ملحوظاً مع إسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وما تعرضت له من خسائر بشرية واختطاف مواطنين.
إلا أنه مع تصاعد وتيرة الأعمال الوحشية والجرائم الإنسانية في قطاع غزة، تحول تركيز التغطية الإعلامية تدريجياً نحو إبراز حجم الدمار الهائل وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر، وذلك وفقاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.
وازدادت حدة التساؤلات والانتقادات من قبل وسائل الإعلام الغربية بشأن الأهداف العسكرية الإسرائيلية المعلنة، وأسلوب تعاملها مع المساعدات الإنسانية والإغاثية، لاسيما بعد قرارها بوقف تمويل وكالة الأونروا وتحويل المساعدات إلى أداة للحصار والتجويع، مما أدى في كثير من الأحيان إلى ظهور عناوين رئيسية ومقالات افتتاحية أكثر انتقاداً للسياسات الإسرائيلية، وذلك بدءاً من أواخر عام 2023 وطوال عام 2024.
أما على مستوى الرأي العام، فقد أشارت استطلاعات رأي موثوقة ومتعددة (مثل استطلاعات غالوب، ويوغوف، وبيو) إلى انحدار ملحوظ في شعبية إسرائيل في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وخاصة في أوساط الشباب، وذلك على الرغم من التعاطف الشعبي الذي حظيت به إسرائيل في بداية الصراع. لقد لعبت الصور والتقارير المروعة التي وثقت معاناة المدنيين الأبرياء في غزة دوراً محورياً في تآكل الدعم الشعبي وتزايد وتيرة الاحتجاجات المناهضة للسياسات الإسرائيلية.
وبحلول عام 2024، استقطبت المظاهرات الحاشدة المؤيدة للقضية الفلسطينية أعداداً غفيرة من المشاركين في مختلف العواصم الغربية، مما يشير إلى تحول جوهري في الرأي العام مقارنة بالصراعات السابقة.
وامتدت هذه الظاهرة لتشمل المحور الثالث المتعلق بسمعة تل أبيب، وتحديداً في الأوساط الجامعية التي شهدت مظاهرات واسعة النطاق، لاسيما في الولايات المتحدة وبريطانيا. وشهدنا نشاطاً مكثفاً من قبل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس للمطالبة بسحب الاستثمارات من الشركات المرتبطة بإسرائيل، والتعبير عن إدانة صريحة للسياسات الإسرائيلية.
والجدير بالذكر هو إصدار العديد من إدارات الجامعات بيانات أكثر توازناً واعتدالاً مقارنة بالصراعات السابقة، والتي كانت غالباً ما تقتصر على اتخاذ إجراءات تأديبية قاسية بحق الطلاب والأساتذة المنتقدين. وهذا يعكس البيئة الاستقطابية السائدة والنقاش الواسع حول حرية التعبير وحقوق الإنسان.
أما المستوى الثاني الذي يكتسب أهمية بالغة بعد سمعة إسرائيل، خاصة في الغرب، فهو مدى الاقتناع العالمي بالسردية الفلسطينية مقارنة بالسردية الإسرائيلية، ولا سيما على مستوى حل الدولتين، الذي تمسكت به المملكة العربية السعودية كمسار وحيد لتحقيق السلام العادل والشامل، وذلك من خلال مبادرات عديدة بدءاً من مؤتمر فاس في عام 1983 وصولاً إلى المبادرة العربية للسلام في عام 2002 خلال قمة بيروت.
ولعل من أهم الإنجازات التي تحققت في هذا الملف، في خضم دوي المدافع ولهيب الحرب، هو الارتفاع الملحوظ في عدد الدول التي اعترفت رسمياً بدولة فلسطين منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر 2023. ومن بين هذه الدول النرويج وإسبانيا وأيرلندا، التي أعلنت اعترافها بفلسطين في عام 2024، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي للدول المعترفة بفلسطين من 138 دولة في نوفمبر 2023 إلى 147 دولة في الوقت الراهن، مما يعني أن تسع دول إضافية قد اعترفت بفلسطين بعد اندلاع الحرب الأخيرة.
يضاف إلى ذلك التلميحات الصادرة عن مسؤولين فرنسيين وبريطانيين بهذا الشأن، والمساعي الدبلوماسية السعودية والدولية المكثفة، بما في ذلك مؤتمر حل الدولتين الذي كان من المقرر عقده في السابع عشر من الشهر الجاري في نيويورك، بقيادة فرنسية سعودية مشتركة، والذي تم تأجيله نظراً للأحداث الجارية، والذي سيسعى بطبيعة الحال إلى زيادة عدد الدول التي تعترف بحل الدولتين.
وأخيراً، نختتم حديثنا عن الأثر الاستراتيجي الثالث على إسرائيل جراء هذا الصراع الذي امتد لعامين، والمرتبط بمسألة الهجرة من وإلى إسرائيل. فقد أشارت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إلى أن عدد الإسرائيليين العائدين من الخارج قد انخفض بنسبة 21% بين أكتوبر 2023 ومارس 2024 (حيث عاد 8,900 شخص، مقارنة بـ 11,200 في العام الذي سبقه).
ووصفت صحيفة «جيروزاليم بوست» هذا الرقم بأنه «هجرة قياسية»، مشيرة إلى أن 40,600 شخص قد غادروا إسرائيل خلال العام الماضي، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وبتحليل الأرقام بشكل أكثر تفصيلاً، وبالنظر إلى الفئات العمرية والمستوى التعليمي للمهاجرين من تل أبيب، نجد أن نحو 40% من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاماً، وأن حوالي 28% منهم تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاماً، كما يبلغ متوسط عمر المهاجر الإسرائيلي حوالي 30 عاماً.
بالإضافة إلى ذلك، يميل المهاجرون من إسرائيل إلى الحصول على مستويات تعليمية أعلى، حيث أن حوالي 60% منهم حاصلون على شهادات جامعية، ويحمل حوالي 25% منهم جنسية مزدوجة.
قد تكون نار الحرب مستعرة والأجواء مشحونة برائحة البارود، والدخان يغطي سماء المنطقة، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور تسير على ما يرام، وأن التداعيات السلبية لن تطال الجميع.
إن الخوض في التفاصيل اليومية المتلاحقة للأحداث، وما يصاحبها من تحليلات مطولة عبر شاشات التلفزة، قد أغرق المشهد بسيل من الآراء، بعضها دقيق ومستند إلى الواقع، والبعض الآخر ضرب من الخيال الجامح أو مجرد أمانٍ شخصية لطرف على حساب آخر. لذا، فإن التحليل السياسي المتعمق يستوجب علينا التراجع خطوة إلى الوراء، وإلقاء نظرة شاملة على الآثار الاستراتيجية بعيدة المدى لهذا الصراع المتفاقم.
يمكننا أن نتأمل في التداعيات المحتملة على دولة إسرائيل على ثلاثة أصعدة رئيسية، مع التركيز بشكل خاص على المستويين المتوسط والبعيد الأثر. أولاً، وبالنظر إلى صورة ومصداقية إسرائيل في الولايات المتحدة والغرب عموماً، وهو مستوى ينطوي على ثلاثة فروع أساسية: السمعة في وسائل الإعلام، وفي الأوساط الأكاديمية، وفي الرأي العام ككل. نجد أن وسائل الإعلام الغربية أبدت تعاطفاً ملحوظاً مع إسرائيل في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، وما تعرضت له من خسائر بشرية واختطاف مواطنين.
إلا أنه مع تصاعد وتيرة الأعمال الوحشية والجرائم الإنسانية في قطاع غزة، تحول تركيز التغطية الإعلامية تدريجياً نحو إبراز حجم الدمار الهائل وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر، وذلك وفقاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.
وازدادت حدة التساؤلات والانتقادات من قبل وسائل الإعلام الغربية بشأن الأهداف العسكرية الإسرائيلية المعلنة، وأسلوب تعاملها مع المساعدات الإنسانية والإغاثية، لاسيما بعد قرارها بوقف تمويل وكالة الأونروا وتحويل المساعدات إلى أداة للحصار والتجويع، مما أدى في كثير من الأحيان إلى ظهور عناوين رئيسية ومقالات افتتاحية أكثر انتقاداً للسياسات الإسرائيلية، وذلك بدءاً من أواخر عام 2023 وطوال عام 2024.
أما على مستوى الرأي العام، فقد أشارت استطلاعات رأي موثوقة ومتعددة (مثل استطلاعات غالوب، ويوغوف، وبيو) إلى انحدار ملحوظ في شعبية إسرائيل في كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وخاصة في أوساط الشباب، وذلك على الرغم من التعاطف الشعبي الذي حظيت به إسرائيل في بداية الصراع. لقد لعبت الصور والتقارير المروعة التي وثقت معاناة المدنيين الأبرياء في غزة دوراً محورياً في تآكل الدعم الشعبي وتزايد وتيرة الاحتجاجات المناهضة للسياسات الإسرائيلية.
وبحلول عام 2024، استقطبت المظاهرات الحاشدة المؤيدة للقضية الفلسطينية أعداداً غفيرة من المشاركين في مختلف العواصم الغربية، مما يشير إلى تحول جوهري في الرأي العام مقارنة بالصراعات السابقة.
وامتدت هذه الظاهرة لتشمل المحور الثالث المتعلق بسمعة تل أبيب، وتحديداً في الأوساط الجامعية التي شهدت مظاهرات واسعة النطاق، لاسيما في الولايات المتحدة وبريطانيا. وشهدنا نشاطاً مكثفاً من قبل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس للمطالبة بسحب الاستثمارات من الشركات المرتبطة بإسرائيل، والتعبير عن إدانة صريحة للسياسات الإسرائيلية.
والجدير بالذكر هو إصدار العديد من إدارات الجامعات بيانات أكثر توازناً واعتدالاً مقارنة بالصراعات السابقة، والتي كانت غالباً ما تقتصر على اتخاذ إجراءات تأديبية قاسية بحق الطلاب والأساتذة المنتقدين. وهذا يعكس البيئة الاستقطابية السائدة والنقاش الواسع حول حرية التعبير وحقوق الإنسان.
أما المستوى الثاني الذي يكتسب أهمية بالغة بعد سمعة إسرائيل، خاصة في الغرب، فهو مدى الاقتناع العالمي بالسردية الفلسطينية مقارنة بالسردية الإسرائيلية، ولا سيما على مستوى حل الدولتين، الذي تمسكت به المملكة العربية السعودية كمسار وحيد لتحقيق السلام العادل والشامل، وذلك من خلال مبادرات عديدة بدءاً من مؤتمر فاس في عام 1983 وصولاً إلى المبادرة العربية للسلام في عام 2002 خلال قمة بيروت.
ولعل من أهم الإنجازات التي تحققت في هذا الملف، في خضم دوي المدافع ولهيب الحرب، هو الارتفاع الملحوظ في عدد الدول التي اعترفت رسمياً بدولة فلسطين منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر 2023. ومن بين هذه الدول النرويج وإسبانيا وأيرلندا، التي أعلنت اعترافها بفلسطين في عام 2024، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي للدول المعترفة بفلسطين من 138 دولة في نوفمبر 2023 إلى 147 دولة في الوقت الراهن، مما يعني أن تسع دول إضافية قد اعترفت بفلسطين بعد اندلاع الحرب الأخيرة.
يضاف إلى ذلك التلميحات الصادرة عن مسؤولين فرنسيين وبريطانيين بهذا الشأن، والمساعي الدبلوماسية السعودية والدولية المكثفة، بما في ذلك مؤتمر حل الدولتين الذي كان من المقرر عقده في السابع عشر من الشهر الجاري في نيويورك، بقيادة فرنسية سعودية مشتركة، والذي تم تأجيله نظراً للأحداث الجارية، والذي سيسعى بطبيعة الحال إلى زيادة عدد الدول التي تعترف بحل الدولتين.
وأخيراً، نختتم حديثنا عن الأثر الاستراتيجي الثالث على إسرائيل جراء هذا الصراع الذي امتد لعامين، والمرتبط بمسألة الهجرة من وإلى إسرائيل. فقد أشارت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إلى أن عدد الإسرائيليين العائدين من الخارج قد انخفض بنسبة 21% بين أكتوبر 2023 ومارس 2024 (حيث عاد 8,900 شخص، مقارنة بـ 11,200 في العام الذي سبقه).
ووصفت صحيفة «جيروزاليم بوست» هذا الرقم بأنه «هجرة قياسية»، مشيرة إلى أن 40,600 شخص قد غادروا إسرائيل خلال العام الماضي، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد.
وبتحليل الأرقام بشكل أكثر تفصيلاً، وبالنظر إلى الفئات العمرية والمستوى التعليمي للمهاجرين من تل أبيب، نجد أن نحو 40% من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاماً، وأن حوالي 28% منهم تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عاماً، كما يبلغ متوسط عمر المهاجر الإسرائيلي حوالي 30 عاماً.
بالإضافة إلى ذلك، يميل المهاجرون من إسرائيل إلى الحصول على مستويات تعليمية أعلى، حيث أن حوالي 60% منهم حاصلون على شهادات جامعية، ويحمل حوالي 25% منهم جنسية مزدوجة.
قد تكون نار الحرب مستعرة والأجواء مشحونة برائحة البارود، والدخان يغطي سماء المنطقة، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور تسير على ما يرام، وأن التداعيات السلبية لن تطال الجميع.